Categoria

Arabic – العربية

  • in Alaraby Aljadeed (n .1859 – 4.10.19)
    “queste mani tenevano la loro creatura sopra l’indifferenziato del mare”
    Traduzione in arabo: Amal Bouchareb

Tre poesie in Jadaliyya, rivista dell’Istituto di studi arabi in USA – Traduzione in arabo: Amarji , 10 aprile 19

 davanti al morto أمامَ الميِّت

أنت الشَّيء الأكثر سفوراً على وجه الأرض وفي الوقت نفسه

الشَّيء الأكثر غموضاً.

أتقصَّصُ رَسْمَك. محرابَ محجرَيك. قبَّةَ المحرابِ الممتلئةَ

بِشَرٍّ يُجاوزُ كلَّ الأبعاد. أستجلي

رَجْعَ الدَّمِ الذي طفا على السَّطحِ

في آخر ارتقاءٍ له. أرجوانٌ،

مُغرةٌ، أغشيةٌ قرمزيَّةٌ

تحتَ الجلد. أستجلي الرَّجفةَ

غير المكتملة

تحت عظم الوجنةِ اليُسرى. والمكتملة،

كبعضِ بُقَع الشُّحوب،

تحت اللَّوح الكتفيِّ المرهَقِ إلحاحاً.


أتبيَّنُ كمالَك.

خطيئةَ غطرسةِ النِّهاية. أتبيَّنُكَ

مشهداً مستقبليَّاً. استهلالاً

لاستفاقةٍ كاملة.


أستقرئُ وجهَك. لم يعد نزَّاعاً إلى شيء.

مذبحُ جبهتك نقيٌّ

في ختام الهواجس. مُختَتَمٌ. أنظرُ أيَّ جسدٍ يأتي

بعد الجنوح إلى ولادةٍ جديدة. أتبيَّنُ أنَّكَ

تولَدُ من جديد. مُختَتَماً. أغنيةً نقيَّةً لِما يذبلُ ويتحلَّل.

انغماساً نقيَّاً. زغبٌ أبيضُ

على أحبالك الصَّوتيَّة. عفنٌ أخضرُ

في طيَّاتك الصَّوتيَّة،

والعظمُ العقبيُّ مبتلٌّ بعشبٍ مُزرَقٍّ،

والسَّلامُ الأكبرُ

في قوقعةِ جمجمتك. كلُّ جنوحك إلى النِّسيان

جارٍ مجراه. أتبيَّنُ أنَّ كلَّ شيءٍ صارَ نشوةً 

وأنتَ

صرتَ النَّشوةَ التي كنتَ

تشتهي، نشوةَ اللَّاانطفاء بعد اليوم.


أنتَ صلاةٌ لانهائيَّة. صخرةٌ

جِيريَّة. أنتَ النِّهايةُ فحسب. ووحدها النِّهايةُ

لانهائيَّة. أنتَ قناع العزلةِ فحسب. الآنَ

تُختَتَمُ الدَّائرةُ الأوَّليَّة،

دائرةُ ثعبانِ الانفصال.


هكذا أتبدَّدُ في كلِّ ما هو أنا.

***

 aria del muro e della crepa المقطوعةُ العاطفيَّةُ للجدار والثُّلمة 

جدارٌ أنا

ولكن معكِ، حتَّى المادَّةُ تحلم.


فمكِ لم يتركني اللَّيلة.

عرفَ كلَّ شيءٍ عنِّي.


أمامَ فمكِ

ابتسمَ الموتى كما لو أمامَ فيضٍ،

كلُّ شيءٍ نسيَ أن يموت

وبرقُ السَّكاكين انقطعَ في الأزقَّةِ الموحشةِ

حيث رأيتُ عِظامَ الإنسان

في ذلك الصَّباح المحايدِ[1]

ومُذَّاكَ لم تعد المادَّةُ الكامدةُ التي يطرحها الموتى

مجرَّدَ بركةِ أوحالٍ تتوسَّعُ

ليغرق فيها كلُّ شيءٍ – كلُّ شيءٍ عدا ذلك الصَّبيَّ

الرَّقيق والسَّريع كابن عُرس.


أنا جدارُ ضاحيةٍ وأطلالٍ

يحلمُ بفمك

لأنَّه لا بدَّ أن نعرف من البداية

أنَّ الإنسان يختمرُ هكذا

كما يختمرُ كيسٌ من القمامة.


أنتِ الثُّلمةُ وأنا القدَر.

أنا أعمقُ من الحُبِّ

أنا البشاعةُ والنِّسيان

أنا الشَّيءُ الذي انثلمَ من الحُبِّ.

أنتِ الشَّقُّ في قلب الشَّيء.


أنا الحجَرُ داخلَ فمكِ، القاتلُ.

***

 gioia فَرَحٌ

الذَّكاءُ الكهربائيُّ الذي يوحِّدُ ذرَّاتِ الجسد وذرَّاتِ

الكرسيِّ التي يجلسُ عليها الجسدُ

هو فَرَحٌ 


وفَرَحٌ كذلك قعقعةُ تناوباتِ

التَّمدُّد والاقتران

خارجَ المجرَّة. فَرَحٌ هو الدَّويُّ

الذي يقرعُ النُّجومَ ببعضها، لكي تشكِّل نقيضَ المادَّة الذي يحملنا

حيث لا يوجد وزنٌ

وحيث يكون الموتى بجوارنا،

على مقربةٍ من الأقلَّاء

الذين سنحبُّهم إلى الأبد


حتَّى نعلمَ علمَ اليقين أنَّ لا شيء،

لا أحد، في أيِّ مكانٍ، وأيِّ زمانٍ،

يمكن أن يُفقَدَ إلى الأبد.

هوامش

[1] المحايد بالمعنى الكيميائيِّ للكلمة، أي لا حامضيٌّ ولا قاعديٌّ؛ (المترجم).

Cinque poesie sul sito del giornale Libanese “Il Giorno” | Traduzione in arabo: Amarji – 15 dicembre 2018

شاعرة وكاتبة مسرحيَّة إيطاليَّة من مواليد ميلانو 1964، مقيمةٌ في روما، وتعمل مؤدِّيةً مسرحيَّةً، كما أنَّها مُعدِّة ومقدِّمة برامج ثقافيَّة في إذاعة RAI Radio 3، وناقدة أدبيَّة في مجلة “Poesia” العالميَّة وفي صحيفة “Il Manifesto”. من مجموعاتها الشِّعريَّة: “صخرةُ المواجهة” (1998)، و”القرد الضَّال” (2003)، و”كما لو بعَزمِ رَسَنٍ متوقِّد” (2005)، و”الآلةُ المسؤولة” (2007)، و”على فمِ الجميع” (2010)، و”صنيعُ حياةٍ مولودة” (2010)، و”الميلودراما اللانهائيَّة، روايةٌ زائفة مع ڤيڤاڤوكس” (2011)، و”سلسلة أحفوريَّة” (2015)، و”أنا الآخرون” (2018). حازت على العديد من الجوائز منها جائزة بازوليني (2003)، وجائزة نابُّولي (2010).

* * *

[مِن ديوانها “سلسلةٌ أحفوريَّة”، 2015]

(1) استحضارُ الفجر

evocare l’alba

أأنا التي توقظك؟

هذا الشَّيء الطَّريُّ

هذا الدِّفء البشريُّ

الذي يخرجُ منك

أهو مصوغٌ بالكامل من كلماتي

أم أنَّه

كان موجوداً من قبلُ

وهو الآن يجيبُ نداءَها؟

أنت موجودٌ وتعمَى عن ذلك

أنت أصلُ هذا الشَّكلِ

المصوغِ من الجمال النَّاطق الذي

يُقَدَّمُ، ممزوجاً

بجمالك

الحيِّ

والشُّكوكيِّ،

والمنبعِث.

(2) رسالةٌ تخيُّليَّة

lettera immaginaria

حيثُ كنتُ من لحمٍ، كان من عاجٍ لحمي

(بيير باولو بازوليني)

أيُّها الفجرُ

الذي من لحمٍ طريٍّ

ملتصقٍ

بالهيكل العظميِّ للكلمة

وفي شهر نوفمبر

الحزين

يبكي أحزانَه كلَّها

ضُمَّني بقوَّةٍ، خارجَ

حدوديَ البشريَّة

ضُمَّني كأنَّكَ أمٌّ

تضمُّ طفلَها المتخيَّل في حلُم.

(3) مراراً وتكراراً

ancora e ancora

أمجِّدُ خطوَكَ الذي كخطوِ طائرٍ صغير، أمجِّدُ شرودَ رأسك

اللَّطيفَ والقانطَ، بينما أتمدَّدُ فوق الخراب، رافعةً للمعبد حصناً

من هذا الجسد الذي لم يَعُدْ حياةً داخلَ

حياتِك، وأنتَ تأتي،

تصيرُ جزءاً من صمتِ المعبد، فيما تتقشَّرُ حياتي من ظلِّها، أتراها؟

أترى كيف تخرجُ مثلما من جُهمةِ الأرض

يخرجُ الألمُ البشريُّ الذي لا يؤبَه له

وهي لا تريد سوى يديك، سوى ذراعَيك الكادحتَين اللَّتين تفتحهما

مرَّةً أخرى، تحت فلقةِ شمسٍ هشَّةٍ،

لتعزِّي الطِّفلةَ التي كنتُها ذاتَ عهدٍ بعيد؟

(4) إلى الأبد، إلى الأبد، إلى الأبد

per sempre, per sempre, per sempre…

أودُّ لو أنَّك ترتدي تلك البدلة

التي اشتريتَها ذات يومٍ من أيَّام تمُّوز

بعد أن قلتَ أحبُّكِ أنا أيضاً

أودُّ لو أنَّك ترتدي تلك البدلة

لأجلي، للمرَّة الأخيرة،

وبعد ذلك، أودُّ لو أندمج بالأرض

فلا أستريح إلَّا حيث هي تستريح

(5) العندليب

l’usignolo

كان ثمَّة عندليبٌ هنا. ما كان ينبغي له أن يكون هنا، ولكنَّه كان هنا. وقد غنَّى طويلاً. كنتُ أنا

أغنِّي أغنيتي الصَّغيرة الصَّامتة وكان هو يغنِّي أغنيته. لا أحد يدري لمن كان يغنِّي،

ربَّما استطابةً للغناء فحسب. دونما هدفٍ، دونما انتصار. متوقِّداً بحياةٍ لا يوازيها غير غنائه.

وهكذا أنا، يا صديقيَ الفجر، أحاول أن أجعل حياتيَ ترقى إلى مستوى الغناء.

هذه هي بَليَّتي وهذا هو اغتنائي.

لقد ألبستُكَ بأجمعكَ أغنية حبِّي

لقد رفعتُكَ بأجمعكَ، مثلَ عشبةٍ آذاريَّةٍ تشقُّ

تربةَ الشِّتاء، مثل نهيق أتانٍ وسط أزهارِ مشطِ

الرَّاعي، أو مثل الشَّريط الجناحيِّ الأصفر

لطيور السَّماء. أنفاسُكَ

انصاعَتْ. جسدُكَ

انصاعَ

لغنائي. ثمَّ عاد إلى حدِّه. ولكنَّ العندليب، خارجَ

الوقتِ وخارجَ أرضِ

إفريقيا السَّاخنة، يغنِّي هنا، في قلب الشِّتاء الغربيِّ

يغنِّي، يسترسلُ، يتمادى.

خاضعةٌ، كما ترى، للزمن

ماريّا غراتسيا كالاندروني

تمرينٌ بسيطٌ على الحرِّيَّة

un semplice esercizio di libertà

واحداً تِلْوَ الآخر، مآبرُ الأزهار
تقولُ نعم
في نهارات أيلول العِذاب

انظرْ، العالَمُ مكتملٌ وموفور،
ما كان بإمكاننا أن نجعله أمثل من هذا

انظرْ إلى الأشياء
بعذوبةٍ،
بعذوبةٍ تنظر إليكَ
الأشياء:

بروحكَ
احذُ حَذْوَ الأشياء

أنتَ، يا مَن أنتَ في حدِّ ذاتك عالَمٌ، انظرْ
إلى الأزهار
كما لو كنتَ زهرة
ثمَّ انظرْ إلى النَّحل
كما لو كنتَ نحلة

ثمَّ انظرْ إلى الأزهار
بعيونِ نحلة

ترَ أكوابَ اغتذاءٍ حمراءَ، وصفراءَ،
وزرقاءَ، وبيضاءَ
أُعِدَّتْ لأجلك

اشربْ،

صِرْ قويَّاً

ها أنت تنظر الآن
عالياً
إلى أشعَّة الزُّرقة

تصيرُ أنت السَّماء

تصيرُ نهاراً عذباً من نهاراتِ أيلول
يدومُ إلى الأبد.

■ ■ ■

إنَّه الخضوعُ ما ينجِّي كلَّ كائن

solo il cuore alla terra (la scimmia-fiore)

 في حالات الطَّوارئ يستخدم الجسمُ بروتينات عضلاته نفسِها
لكي ينجو. كلُّ أعضاء الجسم تبطِّئ نشاطها. آخرُ المستسلمين
هو القلب، الذي يترهَّلُ مثل منطادٍ
بين الأعضاء الأساسيَّة
حينَ اللَّحمُ الخامُ للضَّحيَّة يعلق بالأرض كمثلِ فُضالة

ويدا الضَّحيَّة تلتصقان بالتُّراب كأنَّهما الفُضالةُ الشَّحميَّةُ
لرغبةٍ في الحبِّ
لم يُطفئها حقَّاً هذا السَّلام

الأشبه بنارٍ طُرِحنا فيها: ورودٌ كبيرةٌ في أيدينا
وفي أعماقنا الحريق. هكذا
صيَّرَتنا الحياة. أنا أيضاً، مع أنَّني بلا خطيئة،
ذلك أنَّه لا وجود للخطيئة،

خاضعةٌ، كما ترى، للزَّمن
بينما أجدُ نفسي مُلزَمَةً بمخالفةِ
هذا الهلاك. فيا أيُّها الحبُّ
الذي تراني، أيِّدني، ثبِّتْ على جسد الحياة الواقعيَّة، والآنَ على جسد الواقع
الوحشيِّ والمشترَكِ للموت،
جسدَ الضَّحيَّةِ المخلوقَ من جديد.

■ ■ ■

القلبُ وحده بمحاذاةِ التُّراب (الزَّهرةُ-القِرْدَة)

ovvero il sì che salva ogni creatura

.1
إنَّكِ ترين حزن البهائم، ترين
كيف تحني رؤوسها تحت السَّماء
حيث تراها السَّماءُ
من دون أن تُرى

ترين قوسَ الأوتارِ العضليَّةِ
المشدودةَ وترين أنَّ القلب وحدَه ما يبقى
بمحاذاة التُّراب، كإبريقِ دمٍ صامتٍ
لا يُصَبُّ
منه شيءٌ، أيُّ شيء

ترين القرود
وقد صُيِّرَتْ زرقاءَ من شمس الصَّباح

ترين مكوثها
بوجوهٍ مرفوعةٍ نحو الشَّمس علَّ إلهها المصغَّر
يغفر لها

2.
ربَّما كانت هذه الزُّمرةُ البهائميَّة الصَّغيرة قريبةً من الله.
ولكن هل سيتكرَّم هو بذلك؟
بأن يخفِضَ عينيه
لتلك الحُلوق المفتوحة؟

هل سيجرؤ على قول كلمة؟ فوق هذه
القرود التي تريد
أن تبقى هناك في جرح غيابه
مثل صُرَرِ أزهارٍ عاريةٍ مسفوحةٍ على مذبح

3.

جسدي مذبحٌ من طين
مذبحٌ يُرسل نباحاً
دونما انقطاع

حتَّى لو كانت النِّهاية لانهائيَّةً أحملُ سقمَ
الحبِّ البشريِّ مثلما تحمل الوردة تويجَها
أنا الزَّهرةُ-القِرْدة.

* Maria Grazia Calandrone شاعرة وكاتبة مسرحيَّة إيطاليَّة من مواليد ميلانو 1964، مقيمةٌ في روما، وتعمل مؤدّية مسرحيَّة، كما أنَّها مُعدّة برامج ثقافيَّة في إذاعة RAI Radio 3، وناقدة أدبيَّة في مجلة “Poesia” وفي صحيفة “Il Manifesto”. من مجموعاتها الشِّعريَّة: “صخرةُ المواجهة” (1998)، و”القرد الضَّال” (2003)، و”كما لو بعَزمِ رَسَنٍ متوقِّد” (2005)، و”الآلةُ المسؤولة” (2007)، و”على فمِ الجميع” (2010)، و”سلسلة أحفوريَّة” (2015)، و”أنا الآخرون” (2018). القصائد مِن مجموعتها “العاطفة الأخلاقيَّة” (2017).
** ترجمة عن الإيطاليَّة: أمارجي

 AL ARABY, 29 aprile 2017
traduzione di Mustafa QOSSOQSI
لن تملكي شيئاً سوى الحياة
 ماريّا غراتسيا كالاندروني
2017 أبريل 29

بسبب شعاع

بعد انفصال نجمة أُمّ
يشيح الكون نظره بعيون وحشٍ بريقها أبيض

*
بسبب شعاع الشمس هذا على أواني المطبخ
والوحدة الهادئة للأشياء
وبسبب الحلول المشرق للأشياء في نفسها
نظلّ أحياء

نيسان 2014

■ ■ ■

الثمار المهجورة

بينما كنتَ تهجرُني
كان الثعلب ينشئ عَرينَه
في رسم الرأس الجميل المتأمّل
على المخدّة الهامدة
رائحة الوحش البرّية كانت تمتزج برائحة شعرك الأليفة

شكل أصهب غير قابل للتدجين
كان يعشّش في الأسود النهائيّ لشعرك
دجّنيني
كنت تقول
دجّنيني

بينما كنتَ تهجرُني
كان الوحش يلقي بوزنه الشتائيّ
هناك حيث اندلق عسلُ القبلة الأخيرة

حولنا، كانت الحديقة كلّها تتجدّد
والطيور تنقر الثمار المهجورة

ها أنذا. عدت إلى عرين الوحش
لأحافظ على بيت الفرح نظيفاً

21 /7 /2015
(من “حديقة الفرح”، قيد النشر)

■ ■ ■

لن تملكي شيئاً سوى الحياة

لم يُعثرْ على أثرٍ للحذاء
إلا أنّ الضوءَ الجنسيّ كان يطأ جسد الفتاة
المتجمّد في شهادته
بين العينين والبطن آثار مغسَل – مسار عكسيّ لتحديد أدلّة البراءة
الباب الكبير كان مقفلاً عدّة مراّت

كانت تتوهّج مثل رُقاقة خبز في المادّة الدمعيّة للمساء المتأخرّ– رأسُها عالقٌ بين الشجيرات والتكرار الشرس للدورات
لأسباب غامضة لم تتمكّن من إتمام سنوات عمرها بصرف النظر عن وظيفة كلٍّ سنة على حدة
لكن وداعاً ساكناً لجمال العالم كان يلفح الألياف الصلبة
كصيحة فرح في جسد خالٍ من الألم

(من “المفقودون”، 2016)

بطاقة

ماريّا غراتسيا كالاندروني، من مواليد ميلانو عام 1964، ومن سكان روما حالياً: شاعرة، وكاتبة مسرحيّة، وفنانة بصريّة وأدائيّة، ومذيعة في راديو “راي 3″، تكتب في “إل كورييري ديلاّ سيرا”، و”إل مانيفستو”، و”بويزيّا” (شعر). تدير ورشات شعرية في المدارس، والسجون، وكذلك مع مرضى الألزهايمر والمهاجرين، وتساهم في برامج إذاعيّة وتلفزيونيّة أدبيّة.

من مؤلّفاتها: “القرد المتشرّد” (2003 ، جائزة بازوليني للعمل الأوّل)، “الآلة المسؤولة” (2007)، “على كلّ فم” (2010)، “فعل حياة ناشئة” (2010)، “الحياة الواضحة” (2011). نشرت نصوصها في أكثر من أنطولوجيا ومجلّة أدبيّة في بلدان عدة، من بينها أنطولوجيا “شعراء إيطاليون جدد 6” (إيناودي، 2012)

* ترجمة عن الإيطاليّة: مصطفى قصقصي

حديثُ الزَّيتون

سوفَ أتجاسرُ على إغواءِ الله بِعُزلتي

وسطَ حقلِ جتسماني، انتقاماً للابنِ الذي

فاقَ كلَّ العزلاتِ البشريَّة

في الإذعان

للأب، الابنِ القربانيِّ المبذولِ الذي خبَّأ في قلبِه أشفارَ

الشَّكير. [ههنا] فيما أنتم نائمون

كنتُ أحُفُّ نفسي بغراسِ الزَّيتون

أقلِّدُ العزلةَ اللحائيَّةَ الصَّارمة

للنَّباتات، أهيِّءُ جسدي على مِثالِ الأشجار،

     أرفعُ جسدي

خشباً على خشب

حتَّى لا نُواحَ يشتِّت وحدتي البشريَّة

التي تُتِمُّ نُواحَ الابنِ المهجور. هوَ ذا.

أنا وحيدٌ، يا أبتِ، ولا أستطيعُ احتمال الهَجرِ أكثر.

صعودُ الذَّبيحة في زهرتِها الخِتاميَّة

ها أنتَ! تتأمَّلُ بُنيتَها التي تتفتَّح

إذ تنطلقُ دفعةً واحدة من الجذرِ إلى الزَّهرة

وتقولُ: أنا لا أفهمُ الوقتَ لكنِّي الآنَ أعرف

كم هوَ صَلبٌ وحاسمٌ [فِعلُ] الإزهار

وتقول: سوف أحملُكِ

كما يُحمَلُ بيرقٌ ختاميٌّ

وتقول: أرى أنَّكِ

من بينِ جميع التَّفتُّحاتِ لا تُشبهينَ

شيئاً، ولا حتَّى الشَّيءَ المُدارَ

عليَّ برأسٍ من الدَّمِ

مؤازرَاً بفمِ التَّبذير المتشكِّلِ

لأجلِ أن يُهدَرَ بعويلِ العِشق

فيما العينُ الضَّئيلةُ السَّاطعة في المنتصف

تُذيع تقسيمَ الأدوارِ العطريَّة دونَ ألم

وتقول هي: الآنَ

افعل بِبَياضي المرمريِّ ما تشاء،

دع لِحنوَّاتي الفائضة

أن تتكثَّفَ في غرفةٍ واحدة مِن الحجَرِ الصَّافي

تحتَ الشَّتيمةِ المجيدةِ للشَّمس، دعني أُجاري

عافيةَ الأشياءِ وتمامَها

كي تجدني، آنئذٍ، كمثلِ صُوَّانٍ مُسطَّح

ينقرُ فيهِ نجمٌ قُطبيٌّ،

دعني أحتوي مِهبَطَ الأشعَّة بسرَّانيَّةٍ أصليَّة

ودع لِصلابَةِ جسدي أن تتبدَّدَ

في عَجيجِ العَنزِ والنِّعاج ثمَّ ترتقي،-

وسطَ النُّجومِ العَليَّةِ المتآكِلة

بَينا يَقطرُ وجهي بالبرونز مثل زنبقةٍ مائيَّة- جزيرةَ

الحديدِ، والماسِ الأسودِ والورودِ الصَّلبةِ كالقذائف،

دع الحَجَر يختبرُ صوتَه الآدميَّ،

دع النَّقشَ الصَّخريَّ

يصرُخُ في المفترِس وفي ظلِّه الممدودِ على الأرضِ: اترُكني!

أحيا، اترُك دمي

يحيا، اترُكني مُنغَطَّةً

معَ براعمِ الدَّمِ دونَ عقيدةٍ

في العُري الباردِ للبحر،

اترُكني حيثُ بدأنا، وعلى [تخومِ] خِتامِنا: آه، يا لَصخبِ الماءِ

على الحديد المُفَولَذ الذي كُنتُه،

أمَّا وقد تشظَّيتُ الآنَ في الجَمهرةِ الخفيفة

فلتكنْ بقايايَ أطوافاً لنجاتِك.

قَداسَةٌ وَقتيَّة

عذبةٌ هي ضوضاءاتُ الليل،

عذبةٌ ونقيَّةٌ أصواتُ ما وراءَ الجدار،

عذبةٌ طرقعاتُ قُرَمِ الوقيدِ

المُهيَّأة للانطفاءِ مثلما ينطفئُ كلُّ شيءٍ إذ يتمطَّى

عضلُ الوركِ متَّسِقاً معَ وحدتِه

عذبٌ كذلك شَحْطُ الشَّرشَفِ على حَرفِ الكاحِل

وسطَ مجزرةِ النُّعاسِ

الخفيفةِ، الحارَّةِ، والمعهودة

عذبةٌ هيَ الوُصلَةُ التي تُعلِّلُ اتِّحادَ الجسد فيما يتأمَّلُكِ

الشَّابُّ الأسودُ العَينين وحيواناتٌ مُغتبطة

تجوزُ المَشتلَ الرُّباعيَّ في الخارِج،

والسَّماءُ كُهرُبيَّة، قطعةُ كوبالتٍ أزرق

ذلك أنَّ الحبَّ بعدَ كلِّ هاكَ التَّمزيق لا يزالُ كاملاً-

يُطلِعُ زهوراً كبيرة بحجمِ النَّيازِك.

مُلاحَظة. لا غُفران.

في بابِ كلِّ مِحرَقةٍ، حولَ مواضِعِ سقوطِ أقراصِ السُّمِّ،

ثمَّةَ هذا الخواءُ المُخالفُ للعقلِ والذي لا يُمحى أبداً. كانت رغبتُنا هي

أنْ نُخالِفَ كلَّ ذلك اللحمِ التَّبذيريِّ الجميل المُشتهي الحياةَ اشتهاءَ الشَّجرةِ

لها. غير أنَّهم وقفوا بارِدي الأعصاب: يتأمَّلون فحسب

فيما كانت حياةُ الآخرين تتلاشى تحتَ أعينِهم

كمثلِ كُدْسٍ من شجرٍ يُحرَقُ واقفاً – ولْتَعلمْ، الخشبُ البشريُّ يَحترقُ على أحسنِ مِثال.

لا شيء ثمَّةَ، سوى زوايا قسوةٍ حيثُ تتصفَّى الرِّيحُ

وهذه النَّارُ التي تقبضُ على كتفيَّ بَينا تتقطَّعُ حِبالُ حَنْجَرتي

مِن كَدِّ استصراخٍ، ذلك أنَّه كان لا يزالُ لي مِن زادِ جسدي تَبَقٍّ: آليٌّ هوَ

فِعلي، آليٌّ، نَشِفٌ، وحَربيّ: لكأنِّي مريضٌ في وضعِ الدِّفاع،

بينَ أكوامٍ مِن فَراشي، ونَظَّاراتِ، وضفائرِ امرأةٍ مُلقاةٍ لتتجفَّف. أجل،

في المبدأ، هم فكَّروا بالانتفاعِ الكلِّيِّ من الأجساد: فكانَ الشَّعرُ يُنسَج؛ ومن الجلدِ

كانت تُصنَع سواترُ الإضاءة وبِطاناتُ الأرائك لأجلِ

مساكنِ الضُّبَّاط. هي محضُ رذيلةٍ صغيرة يُقالُ لها الحِفظُ- كلحمِ الخنزيرِ،

لا يُرمى مِنه شيءٌ: لا الأسنان، ولا حتَّى العِظام (كانَ معلوماً آنذاك

أنَّ المُعقَّدَ البشريَّ ينفَعِلُ على مِثالِ ذاكَ الخِنزيريِّ). كانت عِظامُنا

زِبلَ تسميد. وكانت الأرائكُ، في النِّهاية، تفيض،

فتُحرَقُ إذَّاكَ مع الجلدِ وسائرِ الأعضاء. وما كنتُ لأصدِّقَ أنَّ هذا هوَ

عملُ الإنسان. إنِّي لَأشدُّ عَمَىً مِن الجمادِ إذنْ،

أنا المصنوعُ غَرَضاً ما: – فرشاةً، قلمَ رصاصٍ، مِحفَظةَ نقود. وحيداً

في الليلِ

أكابدُ تلكَ الظُّلمةَ بِمُعزلٍ عن البشر، أفكِّرُ:

أنا هوَ العِبريُّ الأخير، أنتظرُ الآنَ

الصَّباحَ، أنتظرُ الآنَ الألمانَ، هذا الجِنسَ المُهلِك.

مِن عَقلِ القرد

في قلبِ صرختي الأليمة، [يتوهَّجُ] حِيادُ المخطمِ البهيميِّ.

ها أنا واقفٌ –أيُّها الشِّعر- لحماً مُختزَلاً. ها أنا واقفٌ. هو ذا المخطمُ

الحياديُّ، قَويمٌ وصافٍ في وجهِ البهيمة. ها أنا واقفٌ.

منذ بدءِ العالَم. واقفٌ

حتَّى اختتامِ العالَم.

واقفٌ. وسطَ لولبِ الدَّمِ. واقفٌ. حيواناً في أوَّلِ مُثولٍ على الأرض.

ذبيحةً تترقَّبُ. مثلَ برعمٍ

داخلَ حَرشٍ من أغصانِ الشَّوك أتوهَّجُ.

مثلَ زهرةٍ ذهبيَّة.

al-ahbar 16.7.2016

ماريا غراتسيا كالاندروني: الشعر مثل الحب ينقلنا إلى «مكان آخر»

أجرى الحوار وترجمه: أحمد لوغليمي

ماريا غراتسيا كالاندروني (ميلانو، 1964، تعيش حالياً في روما): شاعرة، ناقدة أدبية، صحافية، ممثلة ومؤلفة مسرحية وسينمائية، منشطة إذاعية في قنوات ثقافية إيطالية. من أعمالها «حجر الموازنة»، «النسناس الهائم»، «كأن بلجام مضطرم»، «المكنة المسؤولة»، «على فم الكل»، «حركة حياة تولد»، «الحياة الصافية»، «متوالية أحفورية».

وأصدرت في النثر: «شجرة التفّاح اللامتناهية»، «إنقاذ قابيل»، «غرنيكا، شذرات شعرية عن الحرب الأهلية الإسبانية». ما جذبنا لمحاورة هذه الشاعرة المتعددة الوجهات، هو تكريسها لعمل شعري ـ نثري باذخ، للحُبّ. الحبّ، هذه القوة الخارقة، التي تتفوق على أسلحة الدَّمار الشامل، التي تسميها جوليانا كونفورتو «القوة النووية الرّقيقة». العاشق في نظرها يتحدث لغة الخلود من دون مكان ولا زمان، لِذَا لا يرتاح في حاضر هذا النوع من المجتمعات التي نحياها. العاشق يُشكّل خطراً على منطق الرأسمال، ومعادلات الربح والسوق، لأنه يرمي القفازات في وجهها، ويستغني عن كل شيء. قوة الحبّ تتجاوز الحاضر الذي نسميه حقيقة، الحقيقة التي ــ من حيث أنها ليست سوى تصادف زمان معين بمكان معين ــ لا وجود لها. بالعشق كل شيء يصير جلياً، حياً، بهياً وغنياً بالمعنى. في الشعر، ترى ماريا غراتسيا أن الأبيات تنبعث من سمو ورهافة الإحساس، وتنتهي بأن تصير عاطفة وحُنوّاً، أو إحساساً جمعياً، مثل يَدَيْ الأمّ اللتين تحمياننا في الطفولة، الشعر ينقذ الناس والأشياء من اللامبالاة والبرود. يساعدنا على البقاء بشراً، على الإحساس بوجع الآخرين، وحب الآخر كما نحب أنفسنا. الشعر يجعل الناس أقل تعاسة، ويجعل تعاستهم في المستقبل لا تؤذي الأشخاص الذين يحفّونهم. إنه الحصاد الجمالي الذي يُرْدِي المستقبل أفضل. الشعر أيضاً هو حفنة كلمات، نلقيها على فراغ ما، لاستعادة ما فقدناه، إما بسبب الموت، أو بسبب الهجْران. الشاعر لا يرغب في عرض نحيبه، هو فقط، يُحيل خلاصة كيمياء وجعه الخاص، إلى جمال تحت تصرف الآخرين. تقول ماريا إنّ «الفيلاستروكّا» (ترنيمة مقفاة قصيرة للأطفال) ترنّ مثل una Ninnananna مُهَدْهِدَة (أغنية لتنويم الأطفال)، المُهَدْهِدَة تسكّن وجعنا وتؤنسنا لأنها تحاكي إيقاع نبض قلب أمّنا حينما كنا ما نزال ضيوفاً على جسدها قبل الولادة… من هنا جاء الشعر. هنا حوار معها:

■ حياتكِ الثقافية ثرية جداً، أنتِ شاعرة، فنانة ومؤلفة مسرحية، مترجمة، منظمة لقاءات ثقافية، منشطة برامج ثقافية على راديو «راي 3»، ناقدة أدبية في يومية «البيان il manifesto»، وفي المجلة العالمية «شعر poesia»… ولك أنشطة أخرى عديدة يضيق المكان لذكرها… لنبدأ من الشاعرة والشعر، منذ متى اكتشفت سحر الشعر والكتابة؟
– أعتقد أن كلمة «سحر»، هي الكلمة الدقيقة، والمُحكمة تماماً لوصف الأثر الذي تلقيته من الإصاخة للشعر. أقول «الإصاخة والإنصات» وليس «القراءة»، لأن الأمر، كان أثناء استماعي لقراءة بالصوت لديوان «لَيْلِيَّةُ أَلْكْمَانْ». حينها، اكتشفت أن الشعر هو كل ما أريده من هذه الحياة. كنت في الصف الخامس الإعدادي، أي كنت قد قرأت ودرست مسبقاً الشعر، وبعض القصائد، ولكن لحظة التّجلي والكشف حدثت هكذا، بينما أصغي لوصف مشهد أثيني من خلال كلمات كُتبت منذ ألفي عام، وكانت لها القدرة على نقلي إلى «مكان آخر». ما أن نكتشف قدرة الشعر السحرية هذه، حتى يستحيل علينا أن نرجع إلى الوراء. هنا يتعلق الأمر بقوة شبيهة بقوة الحبّ. طاقة خالصة ونقية.

■ ما هو الشعر بالنسبة لكِ؟
– استناداً إلى ما قلته للتو، الشعر بالنسبة لي وسيلة نقل إلى «مكان آخر» مثيل للحبّ. ولكن انتبه: بتعبير «مكان آخر» لا أقصد هروباً من الواقع. على العكس تماماً. الشعر يولد من أشياء العالم ومن التقصي عنه، إنه شكل من المعرفة للحقيقة تتحقق عبر الكلمات. ولكن مثل كل الفنون الأخرى، يُومئ إلى أنّ «الحقيقة لا تكفي أي أحد»، كما كتب مرة فيرناندو بيسوا. الحقيقة، لوحدها، تؤلمنا. كل الكائنات البشرية تستحثها رغبة عنيفة للجمال. منذ أول أجدادنا من الجنس البشري، ذكراً كان أم أنثى، الذين رسموا أول الأشكال على جدران كهوفهم. الشعر، الفنون، وبالنسبة لآخرين، الأديان، تجيب عن الحاجة للخفيّ وعن الجمال الذي يخفق ويتأجج داخل الإنسان.

■ ما نجاعة الشعر في العالم؟
– في المعنى الكوني، نجاعة الشعر تكمن في إرضاء الحاجة إلى «المكان الآخر»، كما وصفت لك آنفاً. في المجتمع الغربي المعاصر حيث أعيش، أستطيع القول إنه الآن وهنا، عندنا، الشعر يُجدي لأنه من دون جدوى. الحضارة الغربية الحديثة المنسحقة تحت سَكْرَة السوق والرأسمال. وضعنا السياسي يشي بفراغه الخاص. إنسانيتنا ليست لها طوباويات يمكن أن تسير نحوها. خطابات السوق والرأسمال لزمن طويل كانت هي الراجحة، ثم أكملت دورة حياتها. السوق حصدت ضحايا دكتاتوريتها الخفية، والآن تلفظ أنفاسها الأخيرة. نحن الأوروبيون مُرْبَكُون ـ اختلطت علينا الأمورـ ونحن في طور تحول. تاريخ العالم يريد أن تشرع الحدود الاجتماعية، الاقتصادية والعرقية، ـ بينما ثمة كل أشكال المقاومة والخوف والتوجس الذي يستشعرونه بقدوم «الآخر». داخل هذا المشهد الإنساني، الشّعر يُجدي لتذكيرنا بأنه ، بالنسبة للـ «الآخرين»، فـ «الآخر» أيضاً هو نحن، الشعر يجدي لنتشارك ونتواصل تحت شارة جمال وهي للإشارة ضرورة. وأشدد على كلمة ضرورة.

السوق حصدت ضحايا
دكتاتوريتها الخفية، والآن
تلفظ أنفاسها الأخيرة

■ هل يستطيع الشعر أن يغير العالم؟
– لا، لا يستطيع، إلا في حالات نادرة. ولكنه يعمل على تذكيرنا بأحلام، يستطيع أن يصلنا بحاجتنا الأعمق والأشد شيوعاً أيضاً، ولزمن طويل وليس عابراً فقط، يستطيع أن يوقظ فينا الحُنُوّ، والإحساس بأننا جزء من مجتمع الناس، الأحياء والأموات، الظاهرين والخفيين.

■ أصدرت كتباً عديدة، ومئات المقالات… كما قمت وتقومين بنشاط طريف في اعتقادي: تنظيم ورشات مع تلامذة المدارس، طلبة الجامعات، نزلاء المصحات النفسية (مرضى ألزهايمر) والمساجين… لتحببيهم بالشعر وتحفيزهم على كتابته. هل يمكننا أن نعلّم الآخرين كيف يصبحون شعراء؟ وما الذي استخلصته من هذه اللقاءات؟
– أنا أجيبك في هذا الحوار قبل الذهاب مباشرة إلى «تشيفيتانوفا»، لتنظيم واحد من هذه المختبرات التي تتحدث عنها. غايتي ليست صناعة شعراء جدد، بل زراعة الأحلام. أكيد أنك عندما عرفت إجاباتي الآنفة، فهمت ما أعنيه. ولكنني أود إضافة شيء: الشعراء والمبدعون، يحتفظون ـ على الأرجح ـ بذاكرة حيّة عن عالم كل واحد يعرِّفه على طريقته: سَلَوِي، فردوسي، أفلاطوني أو بروتوفيربالي، حسب تحديد المحلل النفساني «ويلفريد بيون». وهكذا، متحدثة لغة ذلك العَالَم، أتحدث مع الشباب، أو المساجين، أو نزلاء المصحات النفسية ـ متحدثة تلك اللغة التي عرّفها توماس ترانسترومر «اللغة الخفية».

■ بما أنك تشتغلين في الصحافة الثقافية، وسبق أن نشرت أنطولوجيات شعرية، وتعملين كناقدة في المجلة العالمية «شعر»، فكيف تُقيِّمين ـ من موقعك ـ الشعر الإيطالي المعاصر؟
– الشعر الإيطالي مكتوبٌ بحذاقة أكثر من كونه بلا معنى، هذا في جانبه الأعم. الشعر الإيطالي يعاني من كونه نخبوياً. في جانبه الجيد هو شعر تجريب وبحث، يهدف إلى تكسير الحدود بين الفنون والأجناس، حَدَّ جعله رمزاً ضمن الرموز، وماركة ضمت الماركات. أما في جانبه الأشد رداءة، فهو النواح المُسْتَهْلَك للأنا، أو بوح غير صادق في الغالب، يهدف أساساً إلى إثارة الإعجاب بحساسية الكاتب. في جانبه الجيد والمنتشر أكثر هو شعر قطع الحبل السّرّيّ، يهتم بالعالم وأشيائه لأن من يبدع، ينتهي به الأمر إلى أن يرى العالم وأشياءه.

■ كتبتِ أيضاً الرّواية. ما الذي أضافه النثر للشعر وما الذي منحه الشعر للنثر؟
– هكذا مثلما كتبتُ المسرح، ومؤخراً السينما، حينما نكتب النثر والمسرح، نتعلم استعارة الكلام اليومي والشفاهي، فيمنح نثرُنا فيما بعد وضوحاً للشعر. والتمرين الطويل على الشعر، وعلى كثافة اللغة والخطاب، يمنح سداداً للنثر. الشعر يحتاج صفاء القلب والرؤية. إنه تمرين إنساني قبل أن يكون صُنعة أو تمريناً نخبوياً.

■ كتابك «متوالية أحفورية Serie fossile» يتحدث عن الحُبّ، فلسفة جميلة للحُبّ، أمر طريف جداً وجذاب. كيف تتحدثين فيه عن العشق والعاشق، فلسفتك تدنو في بعض الأحيان من فلسفة الشرق والصوفيين عندنا… حدّثينا قليلاً عن هذه الرؤية؟
– للحبّ نواميسه، فهو يضعنا على درب النُمُوِّ الرُّوحي، لأنه يقودنا من الفردانية المنعزلة إلى المخرج ذي الحدين، كمحطة أولى. إذا اشتغل الحب كما ينبغي، لن ينغلق العشاق مرة أخرى على مركزهم الفردي (واحد مصنوع من اثنين)، ولكنهما ينفتحان تدريجياً على الكون. الحب الذي يعمل بشكل جيد: يفيض، لا ينكمش على ذاته، ينجب بالأحرى قبولاً إزاء الآخر والعالم. بالنسبة للعاشق، المعشوق هو بداية العالم. من يحب كما هو مكتوب في «متوالية أحفورية»، هو من يحتاج الاعتناء بمحبوبه أكثر من حاجته لأن يكون محبوباً من طرف محبوبه. غبطته الأعظم تكمن في غبطة معشوقه. بهذا الاتجاه، نعم، تشبه فلسفتي الحب الصوفي.
أنا لم أكن أعرف شيئاً عن الحب، قبل أن أحب. كنت أعتقد أن الحب هو أن نمنح ونتلقى الخير. لم أكن أعرف أن ما يمثل خيراً لنا، قد يكون بالنسبة للآخر بلبلة وألماً. تعلمت أن لا أبذل أي شيء دون تقييم لمن… لنصل إلى الانسكاب العفوي وسيلان الغبطة والخير من شخص لآخر، يجب أولاً أن نُدَوْزِنَ آلاتنا الموسيقية حسب الآخر. ويجب على الطرفين أن تتوفر لديهما أولاً الإرادة ثم الانهماك والعمل لنسج الحب.
■ ما هو الحبّ في نظرك؟
– الحبّ يحرّرنا. الحبّ هو شكل لمعرفة العالم من خلال الآخر. الحب سفر إلى عالم آخر. إنه الاكتشاف بأن هناك عوالم كثيرة بقدر وجودنا ككائنات حية. الحب هو الدخول في حوار مع عالم آخر. عبر الآخر. عبر الحكي الداخلي مع الآخر. عبر نظرة الآخر. عبر أفراح وآلام الآخر، اللذين علينا أن ننصت لهما ونعتني بهما كما نعتني بأفراحنا وآلامنا. الحبّ يجترح فينا تحولاً جينياً. إنه التجربة المثيرة والمدوّخة في رؤية العالم كما عاشه شخص آخر. وبعدها لن نستطيع العودة إلى ـ فردانية ـ الـ «أنا».

■ ماذا يحدث ـ لنا ـ حينما نحبّ؟
– نرى العالم لأول مرة.

■ تُرجمتِ إلى لغات عديدة: التشيكية، الفرنسية، اليابانية، اليونانية، الروسية، الانجليزية، العربية، الرومانية، الصربية، الألمانية… كما تَرْجَمتِ أنت أيضاً شعراء عديدين إلى الإيطالية، هل يمكن أن نترجم دون أن نخون؟
– حول مسألة الترجمة، دائماً أعشق جواب توماس ترانسترومر: حينما طُرح عليه سؤال إن كان يخاف من أن تخونه ترجمات شعره، أجاب ترانسترومر بأن الشعر على العموم هو نفسه ليس سوى ترجمة لـ «لغة خفية».
إن كان المترجم مرهفاً، ـ وإن كان هو نفسه شاعراً ـ ينهل هو نفسه من نفس النبع. سيصل حتماً إلى تلك «اللغة الخفية» ولن ينقل فقط كلمات القصيدة، بل سيحافظ على الارتعاشة العميقة للنص، ثم إنه أمر عادل أن تُعيد كل لغة خلق تلك الرنة وفق موسيقى كلماتها. حتماً، علينا أن نثق بالأذن الداخلية لهذا المترجم!

لا يستطيع الشعر تغيير
العالم لكنه يعمل على
تذكيرنا بأحلامنا

■ كتبت أيضاً قصيدة الهايكو وسبق لك أن فزت بجائزة المعهد الثقافي الياباني عام 2012، متى اكتشفت هذا الشكل الشعري وكيف تحددينه؟
– الهايكو يتطلب منا أن نكون موضوعيين وجوهريين. كلماتنا عليها أن تصف، بشكل مقتضب وقصير شيئاً طبيعياً ومشتركاً. علينا أن ننظر خارج ذواتنا ونكثف شعورنا في كلمات قليلة. إنّه دَرْسُ نُضْجٍ بالنسبة لنا نحن الغربيين، بتقاليدنا التحليلة، المِهْذَارَة، المُعَقّدة والأنانية المنغلقة على ذاتها والفقيرة إبداعياً. هنا يتعلق الأمر بالفلسفة العميقة للبسيط، ليس التسطيح طبعاً. ولكن العمق والوضوح. دَرْسٌ مُنْعِشٌ لِلْخِفّة، رُؤْيَةٌ لِلْعَالَم وَتَدَفّقٌ لَه.
لقائي الاحتفالي بالهايكو كان صدفة: كتبت قصائد هايكو أولى وشاركت بها في مسابقة بتشجيع من صديق، ثم وقعت مباشرة في عشق هذا التمرين الداخلي العميق. وبعد فوزي بالجائزة أرسلوني في رحلة إلى طوكيو وكيوتو، فأسرتني الثقافة اليابانية، سحرني ضبطهم للنفس وهدوءهم، الوضوح والفراغ المتناثر، الذكاء الحادّ، القوة.. وخصوصاً السكون، وهكذا كتبت كتاباً كاملاً، «حديقة الفرح»، مستثمرة توتر وجوهر الهايكو، أكثر منه الشكل التقليدي للهايكو في مقاطعه المعروفة 5 ـ 7 ـ 5 .

■ ما هي الكتب التي تركت أثراً في ماريا غراتسيا كالاندروني؟
– الحلم السابع، رسائل ماريا كفيتايفا، بوريس باسترناك، وراينر ماريا ريلكه، و»دفاتر مالطا» لريلكه.

■ أفلامك المفضلة؟
– «في مزاج للحب» للمخرج وونغ كار ـ واي

■ شعراؤك المفضلون؟
– ريلكه، تيد هيوز، أميليا روسيلّي، بول سيلان.

■ ما الحياة؟
– الحياة تحوي ميتات كثيرة.

■ الموت؟
– التّخم الذي يستثيرنا. ونفعل كل شيء كيما نهزمه.

■ الشعراء؟
– كائنات تحاول أن تدنو من سرّ الكون.

■ الحيوانات؟
– أحب الحصان. حريته الفخورة. حماسته وصهوته. أنجزت أيضاً فيديو عن هذا الكائن:
https://www.youtube.com/watch?v=-tKtmJeb6dk

■ الفن؟
– يُذكّرنا من نحن.

■ أين يكمن خلاص الإنسان؟
– في خروجه من ذاتيته.

■ الترجمة؟
– أن تصير آخر.

■ المرأة؟
– كائن يتضاعف.

■ الرجل؟
– كائن يبني.

■ المسرح؟
– تَمْرِينُ نَضَارَة.
■ الموسيقى؟
– طريق تعليمي للذاكرة.

■ الليل؟
– أنام ليلا، أفضل النهار.

■ ميلانو؟
– لا أعرفها جيداً، تركتها وعمري 8 أشهر.

■ ماريا غراتسيا كالاندروني؟
– امرأة لا تستسلم.

[أربع قصائد هايكو]

ـ 1 ـ
في سماء نيسان اللازوردية
تلاشت تماماً
حديقة الأغراس

ـ 2 ـ
مُشِعَّة
الأغراس الدَّامية
في سماء الغروب

ـ 3 ـ
النسغ العطر
لشجيرة الوستارية
يقطر بنفسجياً كدم

ـ 4 ـ
ولا ضجة
تصدر عن مضخّة الحديد
في قلوبنا

[ قصيدة]

كان يقول

كان يقول دائماً:
قولوا لها بأني أحبها
وقولوا لها أني قطعت طريقاً طويلاً
فقط لأحبها.

قولوا لها بأن فمها
كانت تنبثق منه الملائكة،
وأنا لم أكن أرى سوى فمها

قولوا لها بأنها
تسكنني للأبد.
قولوا لها هذا، أرجوكم.
قولوا لها أني
أردت أن أكتب عن الفرح
عن نكهة أنفاسها في قلب الصيف
عن العضة الخفيفة لأسنانها على الحاشية
عن ضوء القمر حين يلقي على برك الماء بياض الكواكب.
عن الظل البسيط لجسد العاشق
عن نوسان العِقْد في العنق
عن حليّ الأسنان اللاّمعة
وعن الكلام الذي يعند على شفتيها…

كلمات

العدد ٢٩٣٦ السبت ١٦ تموز ٢٠١٦

(ملحق كلمات) العدد ٢٩٣٦ السبت ١٦ تموز ٢٠١٦)

Il Nuovo Arabo – Culture, London 4.12.18

0 commenti

Lascia un Commento

Vuoi partecipare alla discussione?
Sentitevi liberi di contribuire!

Lascia un commento

Il tuo indirizzo email non sarà pubblicato. I campi obbligatori sono contrassegnati *

www.mariagraziacalandrone.it © 2021 - tutti i diritti riservati - Realizzazione sito web: Bepperac Web di Racanicchi Giuseppe